فصل: الأميـر محمـد بـك إسماعيل بـك الدفتـردار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 الأميـر محمـد بـك إسماعيل بـك الدفتـردار

وقتل الأمراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسـن آغـا بلغيـه‏.‏

وخبـر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به أحد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا إليه وقنعوه وأتوا به إليها من المكان المختفي فيه بزي النساء فنظرت إليه وتأوهت وماتت ورجع إلى مكانه‏.‏

وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت إلى آغا الينكجرية وأخبرتـه بذلـك فركـب إلى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حمـارًا وطلعـوا بـه إلـى القلعـة فرمـوا عنقـه وكانـوا نهبـوا بيتـه قبـل ذلـك فـي أثـر الحادثـة وكـان موتـه أواخـر ومات عثمان كاشف ورضوان بك أمير الحاج سابقًا ومملوكه سليمان بك فإنهم بعد الحادثة وقتـل الأمـراء المذكوريـن وانعكـاس أمـر المذكوريـن اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت إيواظ الذي هو السبب في ذلك فاستمروا في أخفائهم مدة ثم أنهم دبـروا بينهـم رأيـًا فـي ظهورهـم واتفقـوا علـى إرسـال عثمـان كاشف إلى إبراهيم جاويش قازدغلي فغطى رأسه بعد المغرب ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسألـه عـن مكانهم فأخبره أنه بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعـون لكـم ويعرفـون همتكـم وقصدهـم الظهـور علـى أي وجـه كـان‏.‏

فقال له نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام إلى بعد العشاء عندما أراد أن يقوم قال له اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة‏.‏

فأرسل سراجًا إلى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمـان كاشـف بأنـه عنـده فأرسـل إليـه طائفـة وسراجيـن وقفـوا لـه في الطريق وقتلوه‏.‏

ووصل الخبر إلـى ولـده ببيـت أبـي الشـوراب فحضر إليه وواراه وأخذ ولده المذكور إبراهيم جاويش وطلع في صبحهـا إلـى البـاب فأخبـر أغـات مستحفظـان فنـزل وكبـس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبتـه ثلاثـة فأحضرهـم إلـى الباشـا فقطـع رؤوسهـم‏.‏

وأما صالح كاشف فإنه قام وقت الفجر فدخـل الحمـام فسمـع بالحمـام قتـل عثمـان كاشـف فـي حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه إلى خان الخليلي‏.‏

ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيافـي وجهـه فذهـب إلـى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج إليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خدامًا ومملوكًا راكبًا حصانًا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلمـا أمسـى عليـه الليـل يبيـت فـي بلـد حتـى وصـل عربـان غـزة‏.‏

ثم ذهب في طلوع الصيف إلى اسلامبول ونـزل فـي مكـان‏.‏

ثـم ذهـب عنـد دار السعـادة وكـان أصلـه مـن أبتـاع والـد محمـد بـك الدفتـر دار فعرفـه عـن نفسـه فقـال لـه‏:‏ أنـت السبـب فـي خـراب بيت ابن سيدي واستأذن في قتله فقتلوه بيـن الأبـواب فـي المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الأختفاء كالباحث على حتفه بظلفه‏.‏

ومات الأمير خليل بك فطامش أمير الحاج سابقًا تقلد الإمارة والصنجقية سنة تسع وأربعين وطلع بالحج أميرًا سنة ثمان وخمسين و لم يحصل في أمارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم‏.‏

وكان أتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العـرب وصـادر التجـار فـي أموالهـم بطريـق الحـج‏.‏

وكانـت أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود يقفـون فـي حلزونـات العقبـة ويطلبـون مـن الحجـاج دراهـم مثـل الشحاتيـن‏.‏

وكـان الأمير عثمان بك ذو الفقـار يكرهـه ولا تعجبـه أحوالـه ولمـا وقـع للحجـاج ما وقع في أمارته ووصلت الأخبار إلى مولاي عبـد اللـه صاحـب المغـرب وتأخـر بسبـب ذلـك الراكب عن الحج في السنة الأخرى أرسل مكتوبًا إلـى علمـاء مصـر وأكابرهـن ينقـم عليهـم فـي ذلك ويقول فيه‏:‏ وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع وضاقت من أجله الأرض على الخلائق وتحمـل مـن فيـه أيمـان لذلـك ما ليس بطائق من تعدى أمير حجكم على عباد الله وإظهار جرأته علـى زوار رسـول اللـه فقـد نهـب المـال وقتـل الرجـال وبـذل المجهـود في تعديه الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد و النهاية فيالها من مصيبة ما أعظمها ومـن داهيـة دهمـاء مـا أجسمهـا فكيـف يـا أمـة محمـد صلى الله عليه وسلم يهان أو يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وأفصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فيا للعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من أعيانها لا يقومون بتغييـر هـذا المنكـر الفادح بشيوخها وشبانها‏.‏

فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام إلى آخر ما قال فلما وصل الجوار وأطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما أودع من درر وغرر تسلب عقول أولي الألباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام‏:‏ ينهي بعد أبلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط أرض الود وطما أن كتابكم الذي خصصتم الخطاب به إلى ذوي الأفاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخـرة الصديقيـة أخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشفت أنظارنا بمطالعة معانيـه الفائقـة والتقطـت أنامـل أذهاننـا درر مضامينـه الكافيـة الرائقـة التـي أدرجتم فيها ما أرتكبه أمير الحاج السابق في الديار المصرية فـي مـق قصـاد بيـت اللـه الحـرام وزوار روضـة النبـي الهاشمـي عليـه أفضل الصلاة والسلام‏.‏

فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل أكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا يحصد إلا مـن جنـس زرعـه فـي حـزن الـأرض وسهلـه ولا يحيـق المكر السيء إلا بأهله لأن الشقي المذكور لما تجاسر إلى بعض المنكرات في السنة الأولى حملناه إلى جهالته وأكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونتـه وتكشـف عيـون هدايتـه فلـم تفـد في السنة الثانية إلا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل اللـه فمـا لـه مـن هاد‏.‏

ولما تيقنا أن التهديد بغير الأيقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء أفعاله لآن كل أحد من الناس مجزى بأعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنـا بقيتهـم بأنـواع الخـزي إلـى الصحـاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا إمارة الحج من الأمراء المصريين من وصف بين أقرانه بالأنصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة‏.‏

والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصًا من جماعة ركبوا غـارب الأغتراب بقصد زيارة البلد الأمين‏.‏

فإن كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقـد أنقضـى أوان غـدره علـى ماشرحنـاه وصـار كرمـاد أشتـدت بـه الريـح فـي يـوم عاصف والحمد لله معى ما منحنا من نصرة المضلومين وأقدرنا على رغـم أنـوف الظالميـن وصلـى اللـه علـى سيدنـا محمـد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرًا في سادس عشر المحرم أفتتاح سنة 1161‏.‏

وأجاب أيضًا الأشياخ بجواب بليغ مطول أعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك المذكور قتيلًا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا أبو يوسف القلعة وقتل معه أيضًا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كـان تولـى الصنجقيـة وسافـر باخزينـة سنـة سبـع وخمسيـن عوضـًا عـن عمـر بـك ابـن علـي بك ونزلت البيـارق والعسكـر والمدافـع لمحاربـة إبراهيـم بـك وعمـر بـك وسليمـان بـك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر إلى قبلي ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وتعض من هم من عصبتهم‏.‏

ومـات محمـد بـك المعروف باباظة وذلك أنه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصـر كمـا تقـدم فـي ولايـة محمـد باشـا راغـب حضـر محمـد بـك المذكـور إلـى مصـر وصحبته شخص آخـر فدخـلا خفيـة استقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية فوصل خبره إلى إبراهيم جاويش فأرسل إليه أغات الينكجرية فرمى عليـه بالرصـاص وحاربـه‏.‏

وحضـر أيضـًا بعـض الأمـراء الصناجـق فلـم يـزل يحاربهـم حتـى فـرغ مـا عنـده مـن البـارود فقبضـوا عليـه وقتلـوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة‏.‏

ومـا الأجـل الأمثـل المبجـل الخواجـا الحـاج قاسـم بـن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيـادة والإمـارة والتجـارة وسبـب موتـه أنـه نزلـت بانثييـه نازلـة فأشـاروا عليـه بفصدهـا وأحضـروا لـه حجامـًا ففصـده فيهـا بمنزلـه الـذي خلف جامع الغورية‏.‏

ثم ركب إلى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة‏.‏

وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصدلم يصـادف المحـل فضربـه بالريشـة ثانيـا فأصابـت فـرخ الأنثييـن ونزل منه دم كثير‏.‏

فقال له‏:‏ قتلتني أنج بنفسك‏.‏

وتوفي فـي تلـك الليلـة وهـي ليلـة السبـت ثانـي عشـر ربيـع الآخـرة سنـة 1147 فقبضـوا علـى ذلـك المزيـن وأحضروه إلى أخيه سيدي أحمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجـق والأغوات والاختيارية والكواخي حتى عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشيًا إمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين‏.‏

ومـات الأميـر حسـن بـك المعـروف بالوالـي الـذي سافـر بالخزينـة إلـى الديـار الروميـة فتوفـي بعـد وصوله إلـى اسلامبـول وتسليمـه الخزينـة بثلاثـة أيـام ودفـن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه أمارته وذلك في أوائل جمادى الأولي سنة 1148‏.‏

ومـات الوزيـر المكـرم عبـد اللـه باشـا الكبورلـي الـذي كـان واليـًا فـي مصر في سنة 1143 وقد تقدم أنه من أرباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والأدبيـات والقـراءات تـلا القرآن على الشهاب الأسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة‏.‏

الأمير عثمان بك ذو الفقار وهو وأن لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد إليها إلى أن مات بالروم وأنقطع أمره من مصر فكأنـه صار في حكم من مات‏.‏

وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لأنه عاش بعد خروجه من مصر نيفًا وثلاثين سنة‏.‏

ولجلالة شأنه جعل أهل مصر سنة خروجه منها تاريخًا لأخبارهم ووقائعهم ومواليدهم إلى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب أعني سنة 1220 فيقولـون جـرى كـذا سنـة خـروج عثمـان بـك وولـدت سنـة خروج عثمان بك أو بعده بكذا سنة أو شهر‏.‏

هو تابع الأمير ذي الفقار تابع عمر أغا تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور أستاذه من أختفائه وخرود محمد بك جركس من مصر فتقلد الإمارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا إلى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فأخبرهـم العرب أنه ذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنة‏.‏

فعاد بالعسكر إلى مصر وتقلد عـدة مناصـب وكشوفيـات الإقليم في حياة أستاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين وأربعيـن خـرج إليـه بالعسكـر وجـرى مـا تقـدم ذكـره مـن الحروب والأنهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده بيد خليل آغا وسليمان أبي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم أرسلـو إليـه وحضـر مـن التجريـدة وجلـس ببيـت أستـاذه وتقلـد خشداشه على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل برأسه علي بك قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على أمير منهم احضروه إلى محمد باشا فيرسله إلى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى أفنوا الطائفة القاسمية قتلًا وطردًا وتشتتوا رفي البلـاد وأختفـوا فـي النواحـي والتجـأ الكثيـر منهم إلى أكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر إلى بلـاد الشـام والـروم ولـم يعـد إلـى مصـر حتـى مـات ومـات خشداشـه علـي بـك بولاية جرجا سنة ثمان وأربعيـن فقلـد عوضـه مملوكـه حسـن الصنجقيـة‏.‏

ولمـا حصلت كائنة قتل الأمراء الأحد عشر ببيت الدفتر دار وكان المترجم حاضرًا في ذلك المجلس وأصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخـرج مـن بـاب البركة وسار إلى باب الينكجرية وأجتمع إليه الأعيان من الاختيارية والجاويشية وأحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلـدوه إمـارة أبيـه وضمـوا إليهـم بـاب العـزب وعملـوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا وأختفـوا كمـا تقـدم وعزلوا الباشا‏.‏

وظهر أمر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت إليه رياسة مصر وقلد أمراء من أشراقاته وحضر إليه مرسوم من الدولة بالإمارة على الحج فطلع بالحج سنة إحدى وخمسين ورجـع سنـة اثنتيـن وخمسيـن فـي أمـن وأمـان وسخـاء ورخاء‏.‏

ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علـي كتخـدا الجلفـي تعصـب المترجـم أيضـًا لطلـب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد أتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضًا عن أستاذه وأحاط بأحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ إبراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله أميـرًا علـى الحـج وسافر به سنة ثلاث وخمسين ورجع سنة أربع وخمسين في أمن وأمان فطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة أربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين‏.‏

ثم ورد أمر للمترجم بإمارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا‏.‏

وفي تلك السنة عمل المترجـم وليمـة ليحيـي باشـا فـي بيتـه وحضـر إليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بأن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء وأنما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصـر مثـل قصـر العينـي أو المقيـاس‏.‏

وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في أمن وأمـان وأنتهـت إليـه الرياسـة وشمـخ علـى أمـراء مصـر ونفذ أحكامه عليهم قهرًا عنهم عمل في بيته دواوين لحكومات العامة وأنصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصًا ولا يجري أحكامه إلا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر أمور الحسبـة بنفسه‏.‏

وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقراء ومنـع المحتسـب مـن أخـذ الرشوات وحجج الشهود من المحاكم‏.‏

وكان يرسل الخاصكية أتباعه في التعابيـن حتـى علـى الأمـراء ولم يعهد عليه أنه صادر أحدًا في ماله وأخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الأغنياء وأرباب الأموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابـع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من أموالهم‏.‏

ولما ورد الأمر بأبطال المرتبات ةجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره أفرزوا له قدرا أمتنع من قبوله وأقتدى به رضوان بك وقال‏:‏ هذا من دموع الفقراء وإن حصلت الأجابة كانت مظلمة وأن لم تحصل كانت مظلمتين‏.‏

وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب أقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وأمنت الطرق والسبل البرية والبحرية في أيامه وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد الغيرة‏.‏

ولم يـأت بعـد اسمعيـل بـك ابـن ايـواظ فـي أمـراء مصـر مـن يشابهـه أو يدانيـه لـولا مـا كـان فيـه مـن حدة الطبيعة إذا قال كلامًا أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الأدكـاوي والشيـخ يوسـف الدلجـي وسيـدي مكـي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها لـه بخطـه التعليـق الحسـن فـي خمسيـن جـزء لطافـا كـل مقامة على حدتها وألف لأجله مناسك الحج المشهـورة فـي جـزء لطيـف وبالجملـة فكـان المترجـم مـن خيـار الأمـراء لـولا مـا كـان فيـه مـن الحدة حتى أستوحشـوا منـه وحضـر إليـه يومـًا علـي باشجاويـش اختيـار مستحفظـان الدرندلـي فـي قضية فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه وأراد أن يضربه وغير ذلك السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر مبدأ ذلك تغير خاطره من إبراهيم جاويش وتغير خاطر إبراهيم جاويش منه لأمور وحقد باطنـي لا تخلـو عنـه الرياسـة والإمـارة فـي الممالـك‏.‏

والثانـي أن علـى كاشـف لـه حصـة بناحيـة طحطـا وباقـي الحصـة تعلـق عبـد الرحمـن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فأجرها لعثمان بك ونزل علـي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر إليه رجل وأغراه على قتل حماد شيخ البلد ويأخذ من أولاده مائة جنزرلي وحصانًا ويعمل واحدا منهم شيخًا عوضًا عن أبيه ففعل ذلـك ووعـده إلـى أن يذهـب منهـم شخـص إلـى مصـر ويأتـي بالدراهـم مـن الأميـن وضمنهم الذي كان السبـب فـي قتـل أبيهـم فحضـر شخـص منهـم إلـى مصـر وطلب من الأمين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فأخذه وأتى به إلى إبراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف بأغراء سالـم شيـخ البلـد وأنـه ضمنهـم أيضـًا فـي المائـة جنزرلـي وقـد أتـى فـي غرضيـن تمنـع عنـه علـي كاشف وتخلص ثاره من سالم‏.‏

فركـب إبراهيـم جاويـش وأتـى بيـت عبـد الرحمـن جاويـش وصحبتـه الولـد فقص عليه القصة وفهمها ثم أنهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبـد اللـه كتخـدا القازدغلـي وعلـي كتخـدا الجلفـي فسلمـوا وجلسـوا فقـال إبراهيم جاويش‏:‏ نحن قد اتينـا فـي سـؤال قـال الصنجـق‏:‏ خيـر‏.‏

فذكـر القصـة ثم قال له‏:‏ أرسل أعزل علي كاشف وأرسل خلافـه‏.‏

فقال الصنجق‏:‏ صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح أني أعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود‏.‏

وتراددوا في الكلام إلى أن أحتد الصنجق وقال له إبراهيم جاويش‏:‏ أنت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وأنـا أستأجـرت الحصـة‏.‏

فقـال لـه الصنجـق‏:‏ أنـزل أعمـل كاشفًا فيها على سبيل الهزل‏.‏

فقام إبراهيم جاويش منتورًا وقام صحبته عبـد الرحمـن جاويـش وذهبـوا إلـى بيـت عمـر بـك فوجـدوا عنده خليل أغا قطامش وأحمد كتخدا البركـاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال أحمد كتخدا عزبان‏:‏ الجمل والجمال حاضران أكتب ايجار حصة أخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبهـا فرمانـا بالتصـرف فـي الناحيـة فأحضـروا واحدا شاهدا وكتبوا الأيجار‏.‏

وبلغ الخبر عثمان بك فأرسل كتخداه إلى الباشا يقول‏:‏ لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحيـة طحطـا لإبراهيـم جاويش فلما خرجت الحجة أرسلهـا للباشـا صحبـة باشجاويـش فامتنـع الباشـا مـن أعطـاء الفرمان فقامت نفس إبراهيم جاويش من عثمان بك وعـزم علـى غـدره وقتلـه‏.‏

ودار علـى الصناجـق والوجاقليـة وجمـع عنـده أنفارًا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وأرسل إبراهيم جاويش ابن حماد وقال له‏:‏ لماتطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهـور الخيـل ولمـا يأتيكـم سالـم أقتلـوه واخرجـوا مـن البلـد حتـى ينزل كاشف من طرفي أرسل لكم ورقة أمان أرجعوا وعمروا‏.‏

فنزل الولد وفعل ما قاله له الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم أحدًا وأرسل إبراهيم جاويش كاشفًا من طرفه بطائفة ومدافع ونقارية وورقة أمان لاولاد حماد‏.‏

وأستمر علـى كتخـدا يسعـى حتـى أصلـح بيـن الصنجـق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل‏:‏ أن القلوب إذا تنافـر ودهـا مثل الزجاجة كسرهـا لا يجبـر ولما أخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر إلى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية أوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتر دار وقتل الأمراء‏.‏

وأمـا النفـرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو أن شيخ العرب همام رهن عنـد إبراهيـم جاويـش ناحيـة رديـس تحت مبلغ معلوم لأجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعـاد فأرسـل همـام إلى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لإبراهيم جاويش فأخبر عثمان بك الباشا وقال له‏:‏ هوارة قبلي راهنون عند إبراهيم جاويش بلدا وأرسلوا يقولون أن أوقـع فيهـا فراغه وأرسل لها كاشفًا قتلناه وقطعنا الجالب فأنتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فأنهم يوقفون المال والغلال‏.‏

فلم يتمكن إبراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الأيام وعثمان بك مستمر على عناده وإبراهيـم جاويـش يتواقـع علـى الأمـراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه بأشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك إلى أن ضاق خناق إبراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وأنجمعوا على رضوان كتخدا وكان أنفصل من كتخدائية الباب فقالـوا لـه‏:‏ أ ان تكـون معنـا وأمـا أن ترفـع يـدك مـن عثمـان بـك‏.‏

فلـم يطـاوع وقـال‏:‏ هـذا لا يكـون وكيـف أنـي أفـوت إنسانـا بـذل مجهوده في تخليص ثارنا مـن أخصامنـا ولـولا هـو لـم يبـق منـا إنسان‏.‏

وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصًا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع أمر بمصر إلا بيدهم ومعونتهم‏.‏

فلما أيسوا منه قالوا له‏:‏ إذا كان كذلك فانت سياق عليه في قضية أخينا إبراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب عثمان بك وكلمه في خصـوص ذلـك‏.‏

فقـال‏:‏ هـذا شـيء لا يكـون ولا يفرحـون بـه فألـح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له أترك هذا الكلام وأشار إلى وجهه بالمذبة فأنجرح أنفه فأخذ في نفسه رضوان كتخدا وأغتم وقال له‏:‏ حيث أنك لم تقبل شفاعتي دونك وأياهم ولا أدخل بينك وبينهم‏.‏

وركب إلى بيته وأرسل إلى إبراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت وأخذ صحبته حسـن جاويـش النجدلـي وذهبـوا إلـى عمـر بـك فوجـدوا عنـده خليـل بـك ومحمد بك صنجق سته فأجمعوا أمرهم وأتفقـوا علـى الركـوب علـى عثمـان بـك يـوم الخميـس علـى حين غفلة وهو طالع إلى الديوان فأكمنوا لـه فـي الطريـق فلمـا ركـب فـي صبـح يـوم الخميـس وصحتبـه اسمعيـل بـك أبو قلنج خرج عليه خليل بـك ومـن معـه وهجـم علـى عثمـان بـك شخـص وضربـه بالسيـف فـي وجهـه فـزاغ عنـه ولم يصب إلا طرف أنفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة إلى بيت مناو وراس الخيمية وخاف مـن رجوعـه علـى بيـت إبراهيم جاويش ومر على قصبة رضةان على حمام الوالي وهرب أبو قلتج إلى بيـت نقيـب الأشـراف‏.‏

وبلـغ الخبـر عبـد اللـه كتخـدا فركـب فـي الحـال ليتـدارك القضيـة ويمنعـه مـن الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالـي فرجـع صحبتـه إلـى البيـت وإذا بإبراهيـم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافـرة وأحاطـوا بالجهات وهجموا علي بيوت أتباعه واشراقاته وأوقعوا فيها النهب وأحرقوها بالنـار وركبـوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت‏.‏

فلما رأى ذلـك الحـال أمـر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه إلا بعض نقـود مـع أعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من بـاب الحديـد وذهـب إلـى بولـاق‏.‏

ونـزل فـي جامع الشيخ أبي العلا ولم يذهب أحد خلفه بل غم أمره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر إلى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري وأخرجوا منه ما يجل عن الوصف وأعتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارًا وأكابر ولم يزالوا في النهب متى قلعوا الرخام والأخشاب وأوقدوا النار‏.‏

وحضر أغات الينكجرية أواخر النهار وأخرج العالم وقفل الباب وأعطى المقتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار‏.‏

وأقامت النار وهز يطفئونها يومين وكان أمرا شنيعًا‏.‏

وأما عثمـان بـك فإنـه لمـا نـزل بمسجـد أبـي العـلا وصحبتـه عبـد اللـه كتخـدا أقامـا إلـى بعـد الغـروب فأرسـل عبد الله كتخدا إلى داره فأحضر خيامًا وفراشًا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا إلى جهة قبلي من ناحيـة الشرق فلم يزالا إلى أن وصلا إلى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا وأجتمعت عليه طوائـف القاسميـة الهاربيـن الكائنيـن بشـرق أولاد يحيى وغيرهم‏.‏

وأما ما كان من إبراهيم جاويش القازدغلي فإنه جعل مملوكه عثمان أغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه اسمعيل أغـات عـزب وشرعـوا فـي تشهيـل تجريـدة وجعلـوا خليـل بـك قطامش أمير العسكر‏.‏

ووعدوه بولاية جرجـا إذا فبـض علـى عثمان بك‏.‏

فجهزوا أنفسهم وجمعوا الاسباهية وسافروا إلى أن قربوا من ناحيـة أسيـوط فأرسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعموا وأخبروا أنهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان بك وبشيير كاشف وطوائفهم فأشاروا على عثمان بك بالهجوم علـى خليـل بـك ومـن معـه فلـم يـرض وقـال‏:‏ المتعدي مغلوب‏.‏

ثم أنهم أرسلوا إلى إبراهيم جاويش يطلبـون منـه تقويـة فأنهـم فـي عـزوة كبيـرة فشـرع فـي تجهيـز نفسـه وأخـذ صحبتـه علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل أتباعهم وأنفارهم وسافروا إلى أن وصلوا عند خليل بـك‏.‏

ووصـل الخبـر إلـى عثمـان بـك فتفكـر فـي نفسـه ساعـة ثـم قـال لعبـد الله كتخدا القازدغلي‏:‏ أنتم لم تفوتوا بعضكم‏.‏

وأشار عليه بأن يطلع إلى عند السردار وطلع عند السر دار وعدى عثمان بك ومن معه وأنعم على القاسمية الواصلين إليه ورجعوا إلى أماكنهم‏.‏

وسار هو من جهة الشرق إلى السويس ثم ذهب إلى الطور فاقام عند عرب الطور مدة أيامًا‏.‏

ووصل إبراهيم جاويش ومن معه إلى أسيوط فوجدوه قد أرتحل وحضر إليهم السر دار فأخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فأرسل إليه علي جاويـش الطويـل فأحضـره إلـى إبراهيم جاويش وعاتبه وأرتحل في ثاني يوم خوفًا من دخول عثمان بك مصر‏.‏

ولما وصل إبراهيم جاويش إلى مصر أتفقوا على نفي عبد الله كتخدا إلى دمياط فسافر إليها بكامل أتباعها ثم هرب إلى الشام وتوفي هناك ورجعت إتباعه إلى مصر بعد وفاته‏.‏

ولما وصل عثمان بك إلأى السويس أرسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشـف بطوائفهـم وأنهم أخذوا من البندر سمنًا وعسلًا وجبنًا ودقيقًا وذهبوا إلى الطور فعملوا جمعيـة فـي بيـت إبراهيـم بـك قطامش واتفقوا على أرسال صمجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما أغات بلوك وأسباهية وكتخدا إبراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا إلى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا أنفسهم وأخذوا مدفعين وجبخانة وساروا‏.‏

ووصـل الخبـر إلـى عثمـان بـك فخـاف علـى العـرب وركـب بمـن معـه وأتـى قـرب أجـرود فتلاقى فعهم هنـاك ووقعـت بينهـم معركـة أبلـى فيهـا علـي بـك وسليمـان بـك وبشيـر كاشـف وقتل كتخدا إبراهيم بـك وكـان عثمـان بـك نـازلا بعيدا عن المعركة فأرسل إليهم وأمرهم بالرجوع وأرتحل إلى الطور‏.‏

وأمـا التجريدة فأنهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك أرسل مكاتبة سرًا إلى محمد أفندي كاتبه التركي يطلبه أن يأتيه إلى الطور فحضر محمد أفندي المذكور إلى إبراهيـم جاويـش الـذي أحضـر رجـلًا بدويًا طوريًا وسلمه له فأركبه هجينا وسار به إلى الطور فلما وصل إليه وأجتمع به زين له الذهاب إلى اسلامبول حسن له ذلك وأنه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الأمور أمور‏.‏

فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمـد أفنـدي ومعهـم جماعة عرب أوصلوهم إلى الشام ومنها ذهب إلى اسلامبول ودخل علي بـك وسليمـان بـك وبشيـر أغـا إلـى مصـر وبعـد مـدة ظهـر بشيـر أغـا فأرسلـه إبراهيـم جاويش قائمقام علـى أمانـة فـي الصعيـد‏.‏

ولمـا وصـل المترجـم إلـى اسلامبـول وقابل رجال الدولة أكرموه وأنزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمه وعينوا له كفايته من كل شيء‏.‏

وأجتمع بالسلطان وسأله عن أحوال مصر فأخبره فقال له من جملة الكلام وما صنعت مع أخوانك حتى تعصبوا عليك وأخرجوك قال‏:‏ لكوني أقول الحقق وأقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على ألفي كيس ومن وسايا البرد والخيار الشنبر ألف كيس وحلوان بلادي ألف كيس‏.‏

فأمر بكتابـة مرسـوم وطلـب أربعـة آلـاف كيـس وعينـوا بذلـك قابجـي باشـا ويكرمـي سكزجلبـي الذي كان الجـي فـي بلـاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في أيام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشـي وذلـك أواخـر سنـة سبـع وخمسيـن‏.‏

فلمـا قـرئ ذلـك المرسـوم قالـوا فـي الجواب‏:‏ أما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته أتباعه وخدمه والعـرب والفلاحـون وأما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقـال لهـم‏:‏ يكرمـي سكزجلبـي حـرروا ثمـن البلـاد والخيـار الشنبـر وأخصمـوا منـه مـا عليـه وما بقي أكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجـي باشـا ويرجـع لكـم بالجـواب‏.‏

ففعلـوا ذلـك وذهـب بـه قابجـي باشـا وصحبتـه سمعيـل بـك أبـو قلنـج بخزينـة سنـة سـت وخمسيـن ولمـا عـرض قابجـي باشـا العـرض بحضـرة عثمـان بـك قـال‏:‏ ليـس في جهتي هذا القدر ولكن أرسلوا بطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطابـًا إلـى محمـد باشـا ويكرمـي سكـز جلبـي وذكـروا فيـه أن يكرمي سكز جلبي يخضر بثلث الحوان بولصة‏.‏

فلما وصـل الجوخـدار جمـع الباشا الصناجق والأغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم‏.‏

فقالوا في الجـواب‏:‏ أن مـن يـوم هـروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب وأمـا الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا النقص ولا الزيادة لآن المبري محرر في المقاطعات والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعلـه كتخـدا وبعـد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيـى كاشـف أستـاذ علـي كتخـدا الموجـود الأن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها أشتهر‏.‏

ثم أنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم أعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية‏.‏

ثم أنهـم أرسلـوا عثمـان بـك إلـى برصـا فأقـام بهـا مـدة سنيـن ثـم رجـع إلـى اسلامبـول وأستمـر بها إلى أن مات في حدود سنة 1190‏.‏

وأما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولمـا سافـر عثمـان بـك مـن أجـرود إلـى الشـام وأرتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش عثمان أغات تابعه أغات المتفرقة وجعله صنجقًا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو أول أمرئه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه اسمعيل أغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي‏.‏

وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضـًا فـي تختـروان سنـة 1157‏.‏

وتـرك المترجـم بمصـر ولدين عاشا وشابت لحاهماوبنتًا تزوج بها بعـض الأمـراء وأتفـق أيـه سافـر إلـى اسلامبـول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقـدر أحـد علـى ذكـره لـه مطلقـا لشـدة غيرتـه وحدة طبيعته وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان‏.‏

فإذا أستوى راكبًا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته‏.‏

ومات مصطفى بك الدفتر دار من أشراقات عثمان بك وذلك أنه سافر أميرًا على العسكر الموجه إلى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155‏.‏ ومـات أيضًا